لن أتحدث عن الأحوال العامة.. فهي واضحة للجميع.. فيكفي أن تنظر إلي وجه
أي مواطن لتعرف تفاصيل حياته الكئيبة في خريطة وجهه المكفهر... ولماذا أي
مواطن.. يكفي أن ننظر في أي مرآة لندرك حالنا.. هذا الوجه الشاحب ذو الفم
المصمت... والأعين المذعورة..
وأين ما تبقي مني؟.. تنظر لعينيه بثبات وتسأله بهدوء يكاد يقترب من حافة
الجنون.. جاوبني؟.. أين ذهبت بي؟.. أريد نفسي.. لكنك تفاجأ بتلك النظرة
الزجاجية الفارغة تحدق بك.. فلو كنت تملك خيالاً وبالاً رائقاً لخلعت
عينيك ونظرت خلفها.. هل يوجد من أحد؟؟؟
تحاول الابتسام.. فتنكمش عضلات وجهك في محاولة غامضة للتمدد.. ثلاث ثوان فقط.. إلي أن تعود لوضعها الخاطئ الذي أصبح طبيعياً فينا.
تنزل
إلي الشارع.. تنظر إلي الوجوه.. سبحان الله.. وكأنك تنظر إلي مئات المرايا
كالتي كنت تحدق بها منذ قليل.. يوجم أحداً في وجهك.. فتوجم في وجهه..
فيزداد الوجوم.. وتزداد الهموم.
في تلك الأوقات التي جعلناها
كئيبة.. أبحث عن أي شيء آخر غير البشر المهمومين.. لربما في تلك اللحظة
التي تفكر فيها.. يبعث الله لك عصفوراً يغرد بالقرب منك.. أو يجعل عينيك
تقع علي غصن شجرة خضراء يانعة.. تتراقص بالنسمات ولا تهتم لهذا الهراء
الذي تفعله.
لربما تتساءل أنت عن هذا الهراء الذي تفعله أو تسأل
نفسك.. لماذا تلك الشجرة سعيدة.. فهي في نفس مكانها منذ أن خلقت.. لا تفعل
شيئاً سوي أن تنمو وتورق.. أعجزت أن أكون مثل هذا العصفور البريء.. الذي
لا يفعل شيئاً سوي التحليق والبحث عن قوت يومه الذي هو حبة.. لا يعلم إن
كان سيجدها أم لا.. لكنه سعيد.
لا تتكبر أن تأخذ حكمة ما من هذا
الطائر الضعيف.. والتقط منه حبة سعادة لحظية.. لربما ظهرت علي وجهك في شكل
ابتسامة صغيرة حقيقية.. خذها ولا تخف..اشعر بدفئها.. ثم حاول أن تبثها في
أي وجه من تلك الوجوه الواجمة.. رجلاً كبيراً أو طفلاً صغيراً، عامل سائر
أو حتي سائق توك توك، وابعثها له صادقة من قلبك.. لربما بادلك بابتسامة هي
حصيد ما ألقيت.. وربما لم يبتسم بعد وظل واجماً.. لكن تأكد أن ابتسامتك
القادمة من العصفور أو من الشجرة أو أي ما كان قد ألقت في روحه أثراً ما..
وإن لم تره.. وإن ازداد عبوساً.. فقد وقع أجرك وأجره وأجر العصفور علي
الله..
(وتذكر دائماً.. إنما الابتسامة في الوجه.. هي في النهايه صدقة)